الجمعة - 29 مارس 2024

مكانة الحسين (ع) في قلوب الشباب الغيارى

منذ 8 أشهر
الجمعة - 29 مارس 2024
1048 مشاهدة

ها أننا ندخل في شهر محرم، ليبدأ العدّ العكسي نحو يوم العاشر من محرم الحرام، حيث مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وذويه وصحبه الأطهار في واقعة الطف، فقد تجاوز يزيد كل الخطوط الحمر بإقدامه على جريمته النكراء، ولكن كما يُقال فقد حفر قبره بيديه حين تجاوز على سلالة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسفك دمهم وأزهق أرواحهم الطاهرة، على الرغم من أنهم ثاروا على الظلم والطغيان وانتشال الإسلام من براثن الفساد والانحراف.

لقد رفع الإمام الحسين (عليه السلام) لواء الثورة بوجه يزيد معلنا معركة الإصلاح في أمة جده، واستعادة روح الإسلام الحقيقي، ساعده في ذلك ثلة من المؤمنين الذين كانوا على استعداد تام للتضحية بالغالي والنفيس من أجل الحسين (عليه السلام) ومبادئه في استرداد الإسلام من قبضة الانحراف والفسق والفجور، وأبدى مناصرو الإمام استعدادا قل نظيره للتضحية والإيثار، بإيمان لا مثيل له، لأنهم كانوا يعرفون جيدا أن الشهادة بانتظارهم، لكنهم لم يخذلوا الإمام الحسين (عليه السلام) وظلوا معه في ساحة الحق حتى آخر لحظة.

ومن هذه الحقيقة التاريخية المتفردة، التي سجلها التاريخ بأحرف من نور، تعلّم الشباب الحسينيون كيف يكونوا في نصرة مبادئ الإمام الحسين، وكيف ترتفع مكانته عندهم يوما بعد آخر، وهم يطلعون على الوقائع العظيمة التي عاشها الحسين عليه السلام وصحبه وأهله في تلك المواقف العصيبة.

لقد تجلّت قيم عاشوراء بكل عظمتها في المعركة المعنوية الفكرية المبدئية التي دارت رحاها ولا تزال وستبقى تدور بين الشباب الحسيني المؤمن وبين الظالمين المنحرفين المصطفين إلى جانب الشر، ولهذا ستبقى مكانة الإمام الحسين عليه السلام عظيمة في قلوب ونفوس الشباب المخلصين.

الانتصار لمبادئ الإمام الحسين (ع)
سماحة المرجع الشيرازي الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيمة بمناسبة ذكرى شهر محرم وعاشوراء:

(إنّ للإمام الحسين عليه السلام مكانة في قلوب الشباب الغيارى والمؤمنين والمؤمنات، خاصّة من غير الأغنياء أيضاً وهؤلاء يمتازون بالحيوية والنشاط فيا ترى كم عدد هؤلاء؟).

ولهذا فإن من يقف مع الإمام الحسين عليه السلام، وينتصر له ولمبادئه، فإنه سوف يواجه المزيد من المشكلات والعقبات، فهناك من لا يريد لهذه المبادئ أن تنهض من جديد وتقود الأمة في مسالك الخير والصلاح، فهناك من يتضرر من هذه القيم والمبادئ الحسينية لأنها تضع العدالة بين الناس معيارا أساسيا لها، ولا تخذل الفقراء، ولا تجامل على حساب الحق، ولا تساند الظالمين كي يستمروا في ظلمهم.

لهذا هناك أجر عظيم لكل من ينتصر لقضية الإمام الحسين، بل كل بلاء يتعرض له الإنسان بسبب موقفه من المبادئ الحسينية وقيم عاشوراء، سوف يحصل على الثواب العظيم الذي يستحقه بسبب وقفته المشرفة مع الإمام الحسين (عليه السلام).

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(نعم إنّ قضية الإمام الحسين عليه السلام هي قضية فيها مشاكل ومصاعب منذ نشأتها وحتى اليوم وقد وعد الله تعالى بالثواب العظيم والدرجات العالية لكل من يخدم في طريق الإمام الحسين عليه السلام، فأيّة مشكلة نواجهها وأي بلاء يحلّ بنا وأي صعوبة تنزل لا تكون من دون أجر وثواب).

فإذا كانت ثقافة عاشوراء، والقيم الحسينية ترتقي بالبشرية إلى أعلى المراتب، وتحفظ كرامة الناس جميعا، علينا أن نعمل كل شيء ونقدم كل شيء في سبيل رفع راية الإمام الحسين عاليا، حتى نوصلها إلى أبعد نقطة في الأرض التي امتلأت بالظلم والجور، أما إذا حدث العكس وتراجعنا عن نصرة هذه المبادئ وتخاذلنا في رفع راية الحسين (عليه السلام)، فإننا نكون مقصّرين في هذا الجانب، وهو أمر لا يليق بكل إنسان يدّعي نصرته للحق.

لهذا فإن مسؤوليتنا في رفع راية الحسين عاليا وإيصالها إلى أماكن العالم كافة من واجبنا، لاسيما الشباب الغيارى، فهؤلاء هم الرصيد الحقيقي للمبادئ الحسينية، وهم أول من عليه التصدي لهذه المهمة، لاسيما أنهم يعرفون مكانة الإمام الحسين عليه السلام جيدا، وكذلك هنالك الثواب العظيم الذي ينتظرهم ويعلي من درجاتهم التي يستحقونها بجدارة.

راية الإمام الحسين ترفرف عاليا
يؤكد المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا: (إذا لم ترفرف راية الإمام الحسين صلوات الله عليه في العالم كلّه سنكون أنا وأنت من المقصّرين وتبقى المسؤولية قائمة، وحتى القصور في ذلك الذي نتيجته الخجل، هذا القصور يقلّل من الدرجات في يوم الآخرة).

بالطبع لا نقول بوجوب نشر المبادئ الحسينية بأساليب القوة، فهذا شأن غير مقبول، ولم يعمل به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وكذلك الإمام علي (عليه السلام) لم يُكرِه المختلفين معه بشأن الإسلام، وإنما كان الحوار والإقناع هو الأسلوب الذي تم من خلاله نشر الإسلام بين بني البشر، ولابد من اعتماد أسلوب الصبر في نشر الإصلاح والاستقامة والقيم الصحيحة بين الناس.

لا يصح الإكراه ولا ينبغي إجبار الناس على فكر لم يقتنعوا به، الخيار هنا للإنسان، وبحسب قناعته، ولابد من التأني والتحمّل والسعي المستمر لإفهام الناس وإقناعهم بالفكر الحسيني الذي يهدف إلى حماية كرامة الإنسان ورفض الظلم والطغيان بكل أشكاله:

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد هذه الحقيقة فيقول:

(في طريق الإمام الحسين عليه السلام علينا ألّا نقوم بتثبيت الإسلام بالقوّة والسلاح لأنّ النبي صلى الله عليه وآله لم يفعل ذلك وحتى أمير المؤمنين، فقد كانوا صلوات الله عليهما وآلهما يبلّغون وينشرون الدعوة، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وعلى الإنسان أن يتحمّل قليلاً حتى من الذي يسبّه وينسب إليه التهم، فلا يشعر بالتعب، لأنّ هذه أعذار لا أكثر).

لهذا حرص سماحة المرجع الشيرازي على تقديم كلمة بخصوص هذا شهريّ محرم وصفر، ودعا الجميع بكل مستوياتهم الثقافية والعقلية والفكرية، وبمختلف مراكزهم الوظيفية والاجتماعية والمهنية، إلى أن يبذلوا قصارى جهودهم في نصرة عاشوراء ونشر الثقافة التي تحترم قيمة الإنسان وتنظر إليه كقيمة معنوية قبل أن يكون أي شيء آخر.

كذلك يجب تشجيع الجميع على القيام بخدمة زوار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في المواكب الحسينية أو غيرها، حتى لو كان هؤلاء ممن يسبب مشكلات معينة، مع ذلك لابد من تشجيعهم على مواصلة العمل في سبيل مبادئ عاشوراء، مع أهمية النصيحة المستمرة التي يجب أن تُقدَّم لهؤلاء حتى يكونوا ممن يدعم مبادئ عاشوراء والإصلاح.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يخص المؤمنين قائلا:

(الكلمة الأخيرة أوجّهها إلى جميع العاملين في شهري محرّم وصفر، والموفّقين للخدمة، سواء كانوا من الأساتذة والطلبة الفضلاء أو أساتذة الجامعات أو الأعزّة الغيارى الخادمين في طريق الإمام الحسين عليه السلام أو أصحاب المواكب وأصحاب الحسينيات وأصحاب المجالس، هؤلاء أوصيهم بأن لا يطردوا أحداً من أماكن الخدمة وإحياء الشعائر الحسينية، على الإطلاق، حتى إذا كان يسبب مشاكل بحسب نظرهم).

وأخيرا يؤكد سماحته (دام ظله) قائلا: علينا أن نجتمع جميعاً تحت خيمة وراية الإمام الحسين عليه السلام وأن نوسّع رقعة وسعة هذه الراية لكي لا نتحسّر يوم القيامة ولا نقول لماذا لم نفعل ذلك. ففي يوم القيامة سوف نرى أشخاصاً عملوا أكثر منّا وتحمّلوا المصائب ونزل عليهم البلاء وكانت لهم منزلة عالية فنغبطهم ونتحسّر على ما فاتنا.