الجمعة - 29 مارس 2024
منذ سنة واحدة
الجمعة - 29 مارس 2024
1275 مشاهدة

الدكتور  أحمد عبد المجيد

لا أرتبط بصلة بهذا المواطن، ولم ألتقيه في حياتي، ولا كنت انوي الكتابة عنه، رأيته مصادفة خلال زيارة تفقدية قام بها الى احد صروح النجف العلمية.

كنت أجهل تاريخه، برغم ان مجموعات التواصل الاجتماعي اشبعتنا حديثاً مختلقاً عنه، ما أنزل الله به من سلطان. والمؤسف ان بعض الاكاديميين وقعوا في شبهة اطلاق التسميات على بعض مؤهلاته، اسوة بما يفعله معظم اسيري الشائعات وكسالى المعرفة.

اصغيت الى حديث نعيم العبودي، الذي يشغل حقيبة التعليم العالي، مع جمهرة من أبرز علماء واكاديميي العلوم السياسية والقانون وحقل الاعلام الجامعي. بدا لي عقل العبودي اكبر من عمره، برغم خصلات شعر بيضاء تكلل هامته. واسترسل امامنا وهو يشرح بكل جرأة التحديات التي تواجه التعليم، وما أسماه الدكتور عامر حسن فياض، بالفايروسات التي دهمت قرارات الجامعات، وكان العبودي صادقاً في تأكيد عزمه اصلاح هذا الجهاز، الذي به ترتقي الأمم وتتقدم وتغادر جحور الجهل والتشدد.

ورأيت مثلما رأى زملائي من اصحاب الخبرة، وجلهم اساتذة مخضرمون، في كلام العبودي الأمل. فقد شدد على رفض التدخل السياسي وأي نوع آخر من دس الانوف في شؤون التعليم، وحظر لقاء أي طرف مهما كانت درجته، في سلم الحكم والباع السياسي. وقال صادقاً (فقدت عديداً من اصدقائي)، وهذه نتيجة حتمية لمن تضرب مصالحه او ترفض طلباته، ولاسيما غير المشروعة وغير القانونية، قال الاديب الروسي مكسيم غوركي (يخيل اليّ ان الناس لا يمكن ان يبالوا بطيبتك اوعدالتك اذا وقعوا في نية الاستفادة منك). كما رأيت العبودي وزيراً لا يعد فقط، مثلما يفعل غيره، يمنح الوعود ويهرب من التنفيذ. ورأيت امامي مسؤولاً مقتدراً بعمر شاب يمتلك سمات داحر المستحيل الذي يدرك ان الثورة الرقمية الرابعة والخامسة ستنهي 50 بالمئة من الوظائف التقليدية.

في كلام العبودي، قوة أجهل مصدرها، ومن الخطأ تصور ان قوة المسؤول الناجح لا تأتي إلا من نفوذ حزب أو عشيرة او ظهر قوي، بل اجزم انها تأتي من ارادة خير تكمن في قلبه وفهم طبيعة المسؤولية المناطة به ومتطلباتها في التغيير وتحقيق الاهداف الوطنية. والعبودي، جاء، كما بدا لي، من بيئة حاضنة لهذه التوجهات، بل واكثر انه عاش خطورة التفاصيل وادرك أهمية وضرورة التغيير لترك بصمة. ولا شك ان بصمته بدأت تضيئ الوزارة من خلال عزمه على زيادة تخصيصات التعليم في الميزانية العامة التي لا تتعدى 1 بالمئة، وتعزيز رصانة وجودة المخرجات العلمية والجامعية بحيث تعتمد على الريادة والابتكار والابداع، واحترام كفاءة وتجربة الهيئات التدريسية وقامات الجهاد الاكاديمي. وهؤلاء، مثله، لا ظهر يساندهم ولا عشيرة ترفع رايتها لنجدتهم، ولا حزب ينتمون اليه أو يجاهرون بشعاراته، لكي يهب للدفاع عنهم وايقاف التحرش الاداري والوشاية بهم.

واعترف اني، التقيت مسؤولاً اثار اعجابي وزاد شحنة التفاؤل في نفسي. لقد تعرفت الى نظرائه السابقين، وتيقنت ان فيه ما لايشبه اي واحد منهم. أي تنطوي شخصيته الايجابية، على طاقة تخترق حجب الروتين وتجتاز محددات المنصب، الذي لا يأتي من تعب السنين واقتدار المؤهلات وارادة التحدي ونظافة اليد.

كنت محظوظاً، مع الجمهرة التي التقت العبودي في النجف، وشكرت الاقدار لانها اوقدت شعلة الاكتشاف لدي، وألزمتني على قول كلمة حق فيمن يستحق.

قيل ان الجمال ليس في ما نراه فقط، بل في ما نكتشفه أيضاً، روح جميلة .. خلق جميل .. فكر جميل وأدب. وقد جمع العبودي هذا وهذا وذاك.