الحرب العالمية … وقوة الدب الروسي والتنين الصيني وتفوقهما على العم سام

العهد نيوز : محمود الحسيني
في ظل الحرب الروسية الاوكرانية، وفي ظل حملة التسليح الواسعة التي تقوم بها الدول الكبرى لحلفائها، والتلويح باستخدام الاسلحة النووية، وتصريحات المصانع الكبرة في روسيا وامريكا بالكشف عن اسلحة فتاكة جديدة، فضلا عن الصواريخ البالستية التي يتم الكشف عنها، والتحركات العسكرية الصينية، اصيب العالم في حيرة كبيرة من اندلاع حرب عالمية تغير خريطة العالم من جديد من عدمها.
1- روسيا وغزوها لاوكرانيا
لماذا غزت روسيا دولة مستقلة مثل أوكرانيا؟ هذا السؤال كثيرا ما يسأله العالم، وبالتالي هو مبررات روسية بحتة، لان الموضوع فيما يبدو لا يتعلق بأوكرانيا فقط، بل بمحاولات روسيا لاستعادة النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي خسرته، لذا تؤمن روسيا بأنها إما أن تكون قوة عظمى وإما لا تكون من الأصل.
حين انهار الاتحاد السوفيتي، انفصل ما لا يقل عن 14 جمهورية عنه وأعلنت سيادتها واستقلالها. لكن الكيان الأكبر روسيا خسر عقودًا من النزاع الجيوسياسي وعاد إلى حدوده الإقليمية من القرن الثامن عشر، كان سقوط الاتحاد السوفيتي نهاية الشيوعية باعتبارها قوة عالمية وكذلك كان نهاية روسيا باعتبارها قوة عظمى، ومع تراجعها من حدود الاتحاد السوفيتي أصبحت روسيا معرضة للأخطار القادمة من الغرب.
عام 1904 وضع المتخصص في الجغرافيا السياسية، البريطاني هالفورد ماكيندر نظرية قلب العالم. وتدخل هذه النظرية في مبررات روسيا لغزو أوكرانيا لأنها تقسم العالم إلى ثلاثة أجزاء:
القسم الأول هو جزيرة العالم ويشمل أوروبا وآسيا وأفريقيا
القسم الثاني هو الجزر البحرية مثل الجزر البريطانية أو الأرخبيل الياباني
القسم الثالث فهو الأمريكيتين وأستراليا باعتبارها جزرًا نائية
وينصب التركيز وفق هذه المعايير على القسم الأول “جزيرة العالم”، إذ ستجمع براعة التكنولوجيا الأوروبية وموارد أفريقيا والقوة العاملة الآسيوية ولن يقف شيءٌ في طريقها، وحسب النظرية، في جزيرة العالم توجد منطقة قلب العالم، التي يمكن لقوة واحدة منها الهيمنة على العالم إن تمتعت بالاستقرار داخليا.
هذه القوة هي روسيا وفق النظرية المذكورة، ولذا تلقى صدى لدى صانعي السياسات الروس، كانت نظرية قلب العالم بالغة القوة لدرجة أنها شكلت مسار الحرب الباردة، وتستمر في الهيمنة على الفكر الجيوسياسي الروسي حتى يومنا هذا.
بعيدًا عن السعي إلى إرساء نظام عالمي متعدد الأقطاب، هناك أيضًا تفاصيل دقيقة تلعب دورها، يمتد قلب روسيا من سان بطرسبرج إلى قازان إلى فولجوجراد ويعيش 80% من سكان روسيا في هذه المنطقة لكن:
تضاريسها مستوية وهي جزء من السهل الأوروبي العظيم
يزداد عرض هذا السهل الأخضر كلما امتد إلى الشرق
عند الوصول إلى المنطقة التي يتلاقى فيها السهل مع حدود روسيا الاتحادية يتجاوز عرضه 2000 كيلومترًا
لا توجد كمية من الأسلحة يمكنها الدفاع عن هذه الأراضي الشاسعة المستوية
لذا فإن على روسيا الحفاظ على حدود ضخمة تفصل بينها وبين بعض أكثر الجيوش تقدمًا في العالم.
يرى واضعو السياسات الروس أنه على الدولة الروسية المرابطة بجانب بحر البلطيق وجبال الكاربات ومنطقة البلطيق بالقرب من الحد الشمالي للسهل الأوروبي العظيم.
تمتد الأرض المستوية للسهل الأوروبي دون أي عوائق مسافة 750 كيلومترًا إلى شاطئ بحر قزوين وهذا الخط المسمى ثغرة فولجوجراد جوهري لبقاء الدولة الروسية
إن أغلقت قوة معادية هذه الثغرة ستفصل روسيا عن القوقاز وبحر قزوين والبحر الأسود
تقتضي الاعتبارات الجيوسياسية أن تسيطر روسيا على دول البلطيق إن سنحت الفرصة لذلك في أي وقت
السيطرة ستتيح لروسيا أن تصل بين منطقة كالينينغراد والبر الروسي دون الالتفاف حول أو المرور عبر أراضي الناتو
السيطرة على البلطيق ستقوي وجود روسيا وقبضتها على دول البلطيق.
2- القدرة العسكرية الصينية وتفوقها على امريكا
ما الذي قد يمكّن الصين من التفوق في سباق التسلح العالمي الجديد؟
يثير التقدم الذي يحرزه الصينيون في مجالات تقنيات الصواريخ والأسلحة النووية والذكاء الإصطناعي قلقا جديا لدى العديد من المراقبين الغربيين الذين يعتقدون أن انقلابا جذريا يجري في ميزان القوة العسكرية على النطاق العالمي.
أمر الرئيس الصيني شي جينبينغ بتحديث القوات المسلحة الصينية بشكل كامل بحلول عام 2035. ويقول إن على قوات بلاده المسلحة أن تصبح قوة عسكرية “متفوقة عالميا” بإمكانها “خوض الحروب وتحقيق النصر فيها” بحلول عام 2049.
يعد هذا هدفا طموحا بلا شك، ولكن الصين في طريقها لتحقيقه.
ما لبث عدد من الخبراء الدوليين يوجهون انتقادات للصين بدعوى أن إنفاقها في مجال الدفاع “يفتقر إلى الشفافية”، وأنها “لا تنشر الأرقام الخاصة بذلك بشكل متواصل.”
تنشر الصين بيانات رسمية لإنفاقها العسكري، ولكن تقديرات الغرب للدعم المالي الذي تقدمه الصين لقواتها المسلحة أعلى من أرقام بكين بكثير.
ويعتقد على نطاق واسع – في الغرب – أن الصين تنفق مبالغ أكبر على قواتها المسلحة من أي بلد آخر – عدا الولايات المتحدة.
وقد تجاوز نمو الميزانية العسكرية الصينية نمو اقتصاد البلاد عموما لعقد من الزمن على الأقل، حسب ما يقول مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن.
قالت وزارة الدفاع الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إنها تتوقع أن تضاعف الصين حجم ترسانتها النووية أربع مرات بحلول نهاية العقد الحالي. وقال الأمريكيون إن الصين “تنوي على الأغلب أن يكون لديها ألف رأس نووي على الأقل بحلول عام 2030.”
وسائل الإعلام الصينية الرسمية وصفت تلك الادعاءات الأمريكية بأنها “محض تكهنات متهورة ومتحيزة”، مضيفة أن قوات الصين النووية ستبقى “على أقل مستوى ممكن”.
ولكن خبراء في معهد بحوث السلام الدولي في ستوكهولم، الذين ينشرون تقارير سنوية متخصصة في تقييم المخزون الذي تحتفظ به الدول المختلفة من الأسلحة النووية، يقولون إن الصين عمدت إلى زيادة عدد الرؤوس النووية لديها في السنوات الأخيرة.
الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان هي أن الصين ما زالت متأخرة جدا عن بلوغ مستوى المخزون النووي الأمريكي الذي يحتوي على 5,500 رأسا نووية؛ ولكن في الوقت نفسه، ينظر إلى تسارع وتيرة التسلح النووي الصيني على أنه أحد أخطر التهديدات للتفوق العسكري الغربي.
ويقول فيرلي نوينز من المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن “إن أسلحة الصين النووية تمثل الموضوع الأهم. فهناك انعدام كبير في الثقة لدى الجانبين، ولم يرتق الحوار بينهما إلى المستوى المطلوب بأي حال من الأحوال. الأمر محفوف بالمخاطر دون أن يكون هناك طريق واضح للتراجع.”
تتجاوز سرعة الصواريخ الفائقة للصوت خمسة أضعاف سرعة الصوت. ورغم أن سرعاتها لا تعادل سرعات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، تجعل صعوبة رصدها أثناء تحليقها بعضا من أنظمة الدفاع الجوي غير ذات فائدة في التصدي لها. يقول الدكتور زينو ليوني من جامعة كينغز في لندن، “يعرف الصينيون أنهم متخلفون إلى حد كبير في هذا الإطار، ولذا فهم يحاولون تحقيق اختراقات كبيرة من أجل تخطي القوى النووية الأخرى.”
ويضيف أن “تطوير الصواريخ الفائقة للصوت ليس إلا أسلوبا واحدا من الأساليب التي يحاول الصينيون من خلالها تحقيق ذلك.”
تنفي الصين أن تكون قد اختبرت أي صواريخ فائقة للصوت، ولكن خبراء غربيين يعتقدون أن عمليتي إطلاق أجريتا الصيف الماضي تشيران إلى أن قواتها المسلحة تسرع الخطى في الحصول على هذه الصواريخ.
لم تتضح نوعية الأنظمة التي تطورها الصين بالضبط،ـ ولكن هناك نوعان رئيسيان للصواريخ الفائقة للصوت:
الصواريخ المنزلقة الفائقة للصوت التي تظل ضمن غلاف الأرض الجوي.
صواريخ نظام القصف المداري الجزئي، التي تحلق في مدار منخفض قبل أن تتسارع باتجاه أهدافها.
ومن الممكن أن تكون الصين قد نجحت في الجمع بين النظامين وذلك عن طريق إطلاق صاروخ فائق للصوت من مركبة مسيّرة لنظام القصف المداري.
يقول الدكتور ليوني إنه في الوقت الذي قد لا تكون فيه الصواريخ الفائقة للصوت لوحدها عاملا حاسما، فإنها قد تعرّض بعض الأهداف للهجوم إلى حد بعيد.
ويضيف،”تجعل الصواريخ الفائقة للصوت من مهمة حماية حاملات الطائرات تحديدا أمرا عسيرا جدا.”
ولكن الخبير الدفاعي يقول أيضا إن بعض المسؤوليين الغربيين قد يكونوا عمدوا إلى تضخيم التهديد الذي تشكله الصواريخ الصينية الفائقة للصوت، وذلك في إطار سعيهم لإثبات ضرورة توفير التمويل اللازم لتطوير تقنيات الفضاء العسكرية.
تلتزم الصين الآن بشكل كامل بتطوير سبل الحرب “الذكية” أو بأساليب عسكرية مستقبلية تعتمد على التقنيات التخريبية – وعلى وجه الخصوص تقنيات الذكاء الاصطناعي، حسب ما تقول وزارة الدفاع الأمريكية.
وكانت الأكاديمية الصينية للعلوم العسكرية قد منحت تفويضا لضمان تحقيق ذلك، وذلك من خلال “التحام عسكري – مدني” أو بتعبير آخر من خلال الدمج بين تقنيات شركات القطاع الخاص في الصين ومؤسسات الصناعات العسكرية الصينية.
وتشير تقارير إلى أن الصين ربما تقوم بالفعل باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات الروبوتات العسكرية وأنظمة توجيه الصواريخ، علاوة على مجالات الطائرات والزوارق الحربية المسيّرة.
وقد أجرت الصين فعلا عمليات سيبرانية على نطاق كبير خارج حدودها، حسب ما جاء في تقييم أجراه مؤخرا عدد من الخبراء.
في تموز الماضي، وجهت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا أصابع الاتهام إلى الصين بالمسؤولية عن هجوم سيبراني كبير استهدف خوادم مايكروسوفت إيكستشينج.
ويعتقد بأن الهجوم المذكور أضر بـ 30,000 شركة على نطاق العالم، وكان هدفه تسهيل التجسس على نطاق واسع بما في ذلك الاستحواذ على بيانات شخصية وممتلكات فكرية.
تمكنت الصين من تجاوز الولايات المتحدة لتصبح أكبر قوة بحرية في العالم – ولكن خبراء يرون أن المقارنة المجردة بين عدد السفن تهمل العديد من العوامل المهمة التي تحدد فاعلية أي قوة بحرية.
ولكنهم يضيفون أن ثمة منفعة في النظر إلى التوجهات الحالية.
فالولايات المتحدة تحتفظ، إلى الآن على الأقل، بتفوق كبير في العديد من القدرات البحرية، إذ لديها 11 حاملة طائرات مقابل حاملتين للصين. كما تتفوق في أعداد الغواصات والمدمرات والطرادات والسفن الحربية الكبيرة العاملة بالطاقة النووية.
ولكن من المتوقع أن تزيد من حجم سلاحها البحري بشكل كبير.
ويعبّر العقيد السابق في جيش التحرير الشعبي الصيني زهو بو، الذي يعمل الآن في جامعة تسينغهوا في بكين، عن اعتقاده بأنه “من المهم جدا” للصين أن تعزز قوة بحريتها من أجل التصدي للتهديدات البحرية التي تواجهها. ويقول تحديدا إن “المشكلة الكبرى التي تواجهنا تتمثل فيما نراها استفزازات أمريكية في المياه الإقليمية الصينية.”
وتتنبأ البحرية الأمريكية بأن عدد السفن الحربية الإجمالي الذي تمتلكه البحرية الصينية سيزداد بنسبة 40 في المئة بين عامي 2020 و2040.
هل تبتعد الصين عن سياستها الحالية في تجنب المواجهات وتقترب من اعتماد سياسات تتسم بقدر أكبر من التهديد؟
في الوقت الراهن، ما زال النهج الصيني يسير حسب مبدأ “النصر دون قتال”، حسب رأي الدكتور ليوني، ولكنه يضيف أن بكين قد تغير هذه الاستراتيجية في موعد ما في المستقبل.
ويقول، “قد تتمثل إحدى نقاط التحول في أن تصبح الصين قوة بحرية حديثة بكل معنى الكلمة.”
ولكن العقيد زهو يصر على أن المخاوف الغربية لا أساس لها، ويقول، “عكس الولايات المتحدة، لا تطمح الصين إلى أن تصبح شرطي العالم. وحتى لو أصبحت الصين أكثر قوة بشكل كبير في يوم من الأيام، فإنها ستظل ملتزمة بنهجها السياسي الأساسي.”
وحقيقة الأمر أن الصين لم تخض حربا منذ عام 1979، عندما تدخلت في فيتنام. ولذا فإن قدراتها العسكرية غير مجربة إلى حد كبير.