الانبار خط احمر

سند الحمداني
لم يكن يتوقع أحد أن تنكشف المواقف بهذه السرعة، لكنه بالنهاية درس، يجب على الجميع فهمه: عندما تتخذ موقفا ما من قضية ما تذكر أن الأمر قد يكون معكوسا بعد مدة وجيزة وقد تكون في حرج من أمرك ولا شيء خافيا على أحد في زمن فيس بوك واشقائه في التواصل الاجتماعي.
المقصود بهذا الكلام عن قصة اليوم وهي تظاهرات الأنبار، التي منحتنا دليلا آخر عن التناقض الذي يصيب المشهد السياسي والإعلامي في آن واحد من القضايا المتشابهة، ففي وقت كان الكل يطبل لتظاهرات الجنوب ويبرر الحرق والتخريب ذهب لسانه إلى غير رجعة عندما رأي ذات المتظاهرين يريدون الذهاب إلى الأنبار للتظاهر على الفساد فيها.
ماحدث اليوم يذكرنا بنقاش دار أيام تظاهرات تشرين، على إثر سؤال لأحد الزملاء قال فيه وقتها: لماذا لا يتضامن ابناء مدن الإقليم ومدن الغربية مع اخوتهم من محافظات الوسط والجنوب ويتظاهروا ضد الفساد الكردي وضد الفساد السني، وكان الجواب واضحا وإن كان تلميحا: التظاهرات شيعية وليس لبقية المحافظات أية علاقة، كان هذا الكلام يتزامن مع حراك واضح تقوده أطراف لزيادة غلة التظاهرات في الوسط والجنوب مرة بإرسال الشباب من الانبار الى بقية المحافظات ومرة بإرسال الناشطين لدعم التظاهرات بالمال (مثل صاحبة البيبسي المشهورة).
وكان هذا الحراك مسنودا من عمل إعلامي حثيث قادته كل من محطات طائفية الطبع مدنية المظهر لمزيد من التأجيج في “المحافظات الشيعية” والهدف لم يكن وطنيا أبدا وما يحصل من سكوت هاتين المحطتين ومعها الإعلام السعودي و الاماراتي و الغربي على محاولة التظاهر في الأنبار يؤكد ذلك، يؤكد أن الهدف طائفيا للأسف.
التناقض الحاصل لم يكن جديدا على المشهد العراقي أبدا، فلم يعد خافيا على أحد وبعد تجارب عديدة أن هناك من يكيل بمكالين مع قضايا الفساد والفشل والمحاصصة والحزبية، موقفه يكون واضح وصريح وقوي عندما يتعلق الأمر بالجنوب ووسط العراق في حين يكون صامتا متراجعا عندما يكون الأمر متعلقا بأربيل أو الأنبار!
ماكنة التناقض هذه ظهرت مع الأنبار اليوم بشكل واضح في حين كانت تتكرر كثيرا مع أربيل، الأنبار اصبحت خط أحمر كما هو الحال في الإقليم والسبب إن أصحاب المال لا يقبلون بمساسها، وكأن صاحب المال يقول للناشطين والكتاب: نعطيكم الأموال لحرق الوسط والجنوب وللسكوت عن أي خلل في الجزء الشمالي الغربي، إذا كان هناك في الأنبار وفي أربيل جمال ما ابرزوه وروجوا له، والقبح اسكتوا عنه، وإذا كان هناك جمال ما في الجنوب والوسط تغافلوا وأظهروا القبح وعظموا شأنه، أنها معادلة الخراب التي انطلت للأسف على أصحاب الحاجات الحقة من ابناء الشعب العراقي.