الجمعة - 29 مارس 2024

مانهاتن و”الأجندة الجريئة” لوزير الخارجية الأمريكي؟!

منذ 4 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024
1156 مشاهدة

طيب العراقي

كي نضع أنفسنا على المسار الصحيح، لا بد لنا أن نقارب المسار بطريقة صحيحة، المقاربة الصحيحة تقتضي إعمال العقل في جذور الأشياء، أي الى المقدمات وليس الى النتائج، بمعنى أن لا نضع العربة أمام الحصان، لأن منطق الاشياء يقول؛ أن الحصان هو الذي يجر العربة،  ولا يمكن لعربة أن تجر حصانا، إلا إذا كانت تمتلك قوة محرك شوفرليت، يمكنها ان تجر الحصان ومن يمتطيه..!

بهذه الوسيلة فقط؛ يمكننا مقاربة ما حدث وما يحدث وما سيحدث في العراق.

مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء الجديد ؛ جاء من تحت قبة برلمان عراقي منتخب وليس بإنقلاب الدبابة؛ كما كان بعضهم يمني نفسه، ومجيئه كان بإرادة عراقية، حيث تم ترشيحه من قبل كتلتي فتح وسائرون البرلمانيتين، بعدما “صادر” رئيس الجمهورية الإنفصالي برهم صالح حق المكون الأكبر؛ ولعب “شاطي باطي” بالعملية السياسية؛ بغية تحقيق “أجندة” ليست بعيدة عن “الأجندة الجريئة” التي تحدث عنها مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي أمس!

التدخلات الخارجية في العملية السياسية قائمة على قدم وساق، وهي ليست وليدة عهد عراق ما بعد 2003، بل هي مستمرة منذ أن تكونت الدولة العراقية الحديثة؛ في عشرينيات القرن الماضي.

النظام الملكي ولثمانية وثلاثين سنة؛ كان يدار بأيادي بريطانية، وحكم عبد الكريم قاسم كان تحت التأثير السوفيتي، وحكم البعث جاء بقطار امريكي عم 1963، حسب إعتراف فؤاد الركابي أمين سر قيادة البعث آنذاك، وحرب صدام ضد أيران؛ ما كانت لتحدث لولا إرادة ودعم وتميل خليجي سعودي أمريكي، وإحتلال صدام للكويت لم يكن إرادة عراقية، بل كان بوحي السفيرة الأمريكية في العراق غلاسبي.. حكومات ما بعد 2003 كانت كلها تشكل بتوافق سياسي داخلي، ليس بعيد عن التأثيرات الإقليمية والدولية..هذا واقع ليس الإمكان إنكاره، وحكومة الكاظمي ليست بدعا عن ذلك أبدا!

قبل وبعد تشكيل الحكومة الجديدة؛ كانت رسائل التدخل الخارجي تأتي تباعا، ما يميز هذه المرحلة أنها كانت رسائل مكشوفة؛ بل أن معظمها كانت فجة ووقحة مستهترة، وتتجاوز أعراف وقيم العلاقات الدولية، التي تسمح بتواصل بشأن الشؤون الداخلية، لا يتجاوز سيادة البلدان؛ ويقتصر على العموميات دون الدخول بعمق التفاصيل!

طيلة الأشهر السبعة المنصرمة؛ كان العبث الأمريكي بالشأن العراقي على أشده، إبتداءا من جريمة قتل قادة الإنتصار وضرب مقرات الحشد، وإثارة فتنة الجوكر وما تبعها من إحتجاجات وتظاهرات، إتسمت بممارسات عنفية غريبة على قيم العراقيين ومتبنياتهم، مرورا بإعادة الروح الى داعش، التي باتت جثة هامدة بإتصارات 2017 وإنتهاء دولة الخرافة، لكن مع الأسف لم يتم إقبارها في لحدها، الأمر الذي أتاح لفريق العناية المركزة الأمريكي؛ وبما يمتلك من وسائل إنعاش متطورة، من إعادة الروح لها!

هذه المواقف لم تكن مرتبطة بتطورات الأحداث في العراق، بقدر ما هي تجسيد عملي لمتبنيات السياسة الأمريكية العامة، وهاكم الثعلب الأمريكي العجوز هنري كيسنجر يقول: أن هدفنا الحقيقي من الحرب على العراق عام 2003، هو بسيطرتنا الروحية التاريخية على العراق، نضمن سيطرتنا الفعلية على الشرق الاوسط كله، وبالتالي عموم العالم.

طيلة عقدين من الزمان جعلنا من العراق ارض الخراب ومركزا للظلام الذي ينتظر المنطقة بأجمعها. آملين ان نجعل منه فيما بعد ارض النظام والاستقرار والبحبوحة ومركزا لشرق اوسط ديمقراطي منسجم تماما مع مصالحنا.

خلاصة سياستنا الحالية في العراق، ان يبقى لسنوات طويلة قادمة تحت سيطرتنا الكاملة(مباشرة وغير مباشرة) سياسيا وعسكريا. والعامل المهم الذي نجحنا بتأسيسه ونعمل على ابقائه، اننا جعلنا الدولة العراقية منقسمة طائفيا وقوميا، بحيث لا يمكنها ان تكون دولة مركزية قوية، وهي عرضة سهلة لتفجيرها والتحكم بها.

شيدنا في المنطقة الخضراء في بغداد اكبر واضخم واقوى سفارة في تاريخ البشرية. مساحتها 104 هكتارات وتعد أكبر بستة إضعاف من مجمع الأمم المتحدة في نيويورك، وبعشرة أضعاف من سفارتنا في بكين. كلفتها حوالي مليار دولار وتكلفة إدارتها السنوية مليار دولار. فيها 20 مبنى و1000 موظف، وهي تعتبر مدينة مستقلة حيث تضم السكن والاسواق وكل وسائل الترفيه ومولدات الطاقة والتنقية والتصفية، حتى يمكنها العيش مستقلة تماما لعدة اعوام!

فكيف يصدق انسان حتى لو كان له عقل طفل، اننا نشيد مثل هذه السفارة الاسطورية في بلد ندعي بأننا في الطريق لمغادرته؟”

ما تقدم يفسر بشكل لا لبس فيه المحتوى الوقح والخطير، لتغريدة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو التي قال فيها : من الرائع التحدث مع رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي، الآن يأتي العمل العاجل والشاق لتنفيذ الإصلاحات التي طالب بها الشعب العراقي، لقد تعهدت بمساعدته على تنفيذ “أجندته الجريئة” من أجل العراقيين.

فما هي الأجندة الجريئة؟! بعد أن إستقرأنا الخطوط العامة العريضة للسياسة الأمريكية، نعود الى عقل هذه السياسة “هنري كسنجر” الذي يقول: ليس من مصلحتنا حل المشاكل في الدول؛ ولكن مصلحتنا الإمساك بخيوط هذه المشاكل، ونحن نحرك الخيوط حسب مصلحتنا القومية الأمريكية…

معنى هذا إنتظروا يا عراقيين أياما سوداء ومشاكل لا حصر لها، وسوف يقتل منكم المزيد، وسوف ينهار إقتصادكم، وسوف تستجدون لقمة الخبز، وسيصبح نفطكم لا قيمة له، وسوف نعمل على إضعافكم، وستكونون بجيش لا يمتلك إلا ملابسه العسكرية، وستكون شرطتكم مجرد هيكل، لا يستطيع توفير حد أدنى من الأمن، وستسيطر على شوارعكم واحيائكم، مافيات الجريمة المنظمة وعصابات المخدرات، بالحقيقة سنحولكم الى “مانهاتن” ثانية كما في نيويورك!

 غدا بأذنه تعالى سنواصل تناول بقية “الأجندة الجريئة” التي تنتظر العراق..!